أذكُرُهُ من نظاراتِهِ المستديرةِ
الإطارِ وقبلاتِهِ الحنونةِ التي تدفئُ قلبي. هي ذكريات قليلة، مختصرة، مقتضبة
لكنها كانت كافية طوالَ السنواتِ التي مرّت لتبقيَ ذكراهُ حيّةً في قلبي أبدا.
لم يكن برجلٍ طويلَ القامةِ،
ولا بعارضِ أزياءٍ مفتولَ العضلاتِ. لم يكن رياضيًّا يركض لأميالٍ ولكنَّ ذلك لم
يكن برادعٍ قط. كان يقطنُ بالقربِ من منزلِنا، وعلى الرُّغمِ من سِنِّه المتقدِّمِ،
كان يزورُنا دائماً ولكنَّهُ لا يأتي خالي الوَفاض. هذا ما كانت تخبرني إيّاهُ
أختي الكبرى. ربّما “كيس الموز” الذي يُحضرُهُ معه هو تفصيلٌ لا أذكره
كثيراّ ولكنني بالتأكيد أذكرُ ما هو أهمّ. في كلِّ مرَّةٍ أزورُهُ أو يزورُنا، لم
ينسى أبداً أن يقبّلَني من رأسي. ولعلَّ هذه الذكرى هي أعزُّ ما يمكن لي أن أذكر.
أذكره من أخبارِ أختيَّ
الكبيرتين، ومن عيني أمي المليئتين بالسلام والفرحِ عندما تتحدّث عنه. أذكره
بالشّخصِ الحنونِ الذي لم تتسنى لي فرصةَ التعرُّفُ إليْهِ بشكلٍ جيّدٍ ولكنَّهُ
أعطاني ما لا يثمنُّ بالملايين. “بتذكريني بجدِّك فرح” جملة عوَّضَتْ
لي وَلَوْ بجزءٍ صغيرٍ، عن ذكرياتي ولحظاتي التي لم أستطع أن أنعمَ بها معه. هذه
الجملةُ هي لحظةَ فخرٍ مجبولةٍ بغصَّةٍ، ودمعةٍ تحاول أمي جاهداً ألّا تذرُفَها.
قدْ يظنُّ البعضُ أنَّهُ
بحاجةٍ إلى صندوقٍ ذكريات ليَتذكَّرَ بها من يحبّ، ولكنَّ الحال أنَّهُ يا جِدّو
فرح، وَقَعْتُ في حبِّ “الأستاذ فرح” الذي لا يملُّ أحد من
الكلامِ عن ذكائِه وفطنتِه، وعن قلمِهِ الذي وهبَني إيّاه. وها إنّي في كلِّ مرّةٍ
أكتبُ بها أتذكَّرُكَ.
لعلّني خَسِرْتُكَ في صِغَري، ولَعَلَّكَ لمْ تَتَعَرَّفْ إِلَيَّ كَثيراً.
إِلّا وأنَّني سأتمسَّكُ بالشيءِ الوحيد الذي يُقَرِّبُني مِنْكَ على الرُّغْمِ من
المسافات. سأتمسّك بما أعطيتني إيّاه لرُبَّما من دونِ أن تقصدَ. سوفَ أكتب وأكتب
ولن أملّ وفي كلِّ مرّةٍ أشعرُ نفسي على شفيرِ الاستسلام، سأتذكّر ” الأستاذ
فرح“، مصدرَ إلهامي وقُدْوَتي وسآمل أنَّك تنظرُ إليَّ بفخرٍ وتقول: هذه
حفيدتي، بنت بنتي.
جميل جداً ❤️
Lovely🤍